{لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}وفيه مسألتان:المسألة الأولى: في الآية وجوه:الأول: معناه لأخذنا بيده، ثم لضربنا رقبته، وهذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم، فإنهم لا يمهلونه، بل يضربون رقبته في الحال، وإنما خص اليمين بالذكر، لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يلحقه بالسيف، وهو أشد على المعمول به ذلك العمل لنظره إلى السيف أخذ بيمينه، ومعناه: لأخذنا بيمينه، كماأن قوله: {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} لقطعنا وتينه وهذا تفسير بين وهو منقول عن الحسن البصري القول الثاني: أن اليمين بمعنى القوة والقدرة وهو قول الفراء والمبرد والزجاج، وأنشدوا قول الشماخ:إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عرابة باليمينوالمعنى لأخذ منه اليمين، أي سلبنا عنه القوة، والباء على هذا التقدير صلة زائدة، قال ابن قتيبة: وإنما قام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه والقول الثالث: قال مقاتل: {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين} يعني انتقمنا منه بالحق، واليمين على هذا القول بمعنى الحق، كقوله تعالى: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} [الصافات: 28] أي من قبل الحق.اعلم أن حاصل هذه الوجوه أنه لو نسب إلينا قولاً لم نقله لمنعناه عن ذلك إما بواسطة إقامة الحجة فإنا كنا نقيض له من يعارضه فيه، وحينئذ يظهر للناس كذبه فيه، فيكون ذلك إبطالاً لدعواه وهدماً لكلامه، وإما بأن نسلب عنده القدرة على التكلم بذلك القول، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب.المسألة الثانية: الوتين هو العرق المتصل من القلب بالرأس الذي إذا قطع مات الحيوان قال أبو زيد: وجمعه الوتن و(يقال) ثلاثة أوتنة والموتون الذي قطع وتينه، قال ابن قتيبة: ولم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه، فكان كمن قطع وتينه، ونظيره قوله عليه السلام: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع ابهرى» والأبهر عرق يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال: هذا أوأن يقتلني السم وحينئذ صرت كمن انقطع أبهره.